(حديث قدسي) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
مَسْلَمَةَ ، عَنْ مَالِكٍ ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ ،
عَنِ الْأَعْرَجِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
، " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،
قَالَ : الصِّيَامُ جُنَّةٌ ، فَلَا يَرْفُثْ ، وَلَا
يَجْهَلْ ، وَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ ،
فَلْيَقُلْ : إِنِّي صَائِمٌ مَرَّتَيْنِ ، وَالَّذِي
نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ
اللَّهِ تَعَالَى مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ ، يَتْرُكُ طَعَامَهُ
، وَشَرَابَهُ ، وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي الصِّيَامُ
لِي ، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ
أَمْثَالِهَا " .
شرح الفاظ الغريب :
قوله : ( فلا يرفث ) أي : الصائم ،
كذا وقع مختصرا ، وفي " الموطأ " :
"الصيام جنة ، فإذا كان أحدكم صائما
فلا يرفث . . . إلخ" ويرفث بالضم
والكسر ، ويجوز في ماضيه التثليث ،
والمراد بالرفث هنا ، وهو بفتح
الراء والفاء ، ثم المثلثة : الكلام
الفاحش ، وهو يطلق على هذا ، وعلى
الجماع ، وعلى مقدماته ، وعلى ذكره
مع النساء أو مطلقا ، ويحتمل أن
يكون لما هو أعم منها .
قوله : ( ولا يجهل ) أي : لا يفعل
شيئا من أفعال أهل الجهل كالصياح
والسفه ونحو ذلك . ولسعيد بن
منصور من طريق سهيل بن أبي صالح عن
أبيه : " فلا يرفث ولا يجادل "
قال القرطبي : لا يفهم من هذا أن غير
الصوم يباح فيه ما ذكر ، وإنما
المراد أن المنع من ذلك يتأكد
بالصوم .
قوله : ( والذي نفسي بيده ) أقسم
على ذلك تأكيدا .
قوله : ( لخلوف ) بضم المعجمة واللام
وسكون الواو بعدها فاء . قال عياض :
هذه الرواية الصحيحة ، وبعض الشيوخ
يقوله بفتح الخاء ، قالالخطابي :
وهو خطأ ، وحكى القابسي الوجهين ،
وبالغ النووي في " شرح المهذب "
فقال : لا يجوز فتح الخاء ، واحتج
غيره لذلك بأن المصادر التي جاءت
على " فعول " - بفتح أوله - قليلة ،
ذكرها سيبويه وغيره ، وليس هذا منها
، واتفقوا على أن المراد به تغير
رائحة فم الصائم بسبب الصيام .
قوله : ( أطيب عند الله من ريح المسك )
اختلف في كون الخلوف أطيب عند الله من
ريح المسك - مع أنه سبحانه وتعالى
منزه عن استطابة الروائح ، إذ ذاك
من صفات الحيوان ، ومع أنه يعلم
الشيء على ما هو عليه - على أوجه .
قال المازري : هو مجاز ؛ لأنه جرت
العادة بتقريب الروائح الطيبة منا ،
فاستعير ذلك للصوم لتقريبه من الله ،
فالمعنى أنه أطيب عند الله من ريح
المسك عندكم ، أي : يقرب إليه أكثر
من تقريب المسك إليكم ، وإلى ذلك
أشار ابن عبد البر ، وقيل : المراد
أن ذلك في حق الملائكة ، وأنهم
يستطيبون ريح الخلوف أكثر مما
يستطيبون ريح المسك ، وقيل : المعنى
أن حكم الخلوف والمسك عند الله على ضد
ما هو عندكم ، وهو قريب من الأول .
وقيل : المراد أن الله تعالى يجزيه في
الآخرة فتكون نكهته أطيب من ريح
المسك ، كما يأتي المكلوم وريح جرحه
تفوح مسكا . وقيل : المراد أن صاحبه
ينال من الثواب ما هو أفضل من ريح
المسك لا سيما بالإضافة إلى الخلوف ،
حكاهما عياض .
قوله : ( يترك طعامه وشرابه وشهوته
من أجلي ) هكذا وقع هنا ، ووقع في "
الموطأ " : "وإنما يذر شهوته . . .
إلخ" ، ولم يصرح بنسبته إلى الله للعلم
به ، وعدم الإشكال فيه . وقد
روى أحمد هذا الحديث عن إسحاق بن
الطباع ، عن مالك فقال بعد قوله : "
من ريح المسك " : يقول الله - عز وجل -
: " إنما يذر شهوته . . . إلخ "
كذلك رواه سعيد بن منصور عن مغيرة
بن عبد الرحمن ، عن أبي الزناد فقال
في أول الحديث : يقول الله - عز وجل -
: كل عمل ابن آدم هو له ، إلا الصيام
فهو لي وأنا أجزي به ، وإنما يذر
ابن آدم شهوته وطعامه من
أجلي الحديث
قوله : ( الصيام لي وأنا أجزي به )
كذا وقع بغير أداة عطف ولا غيرها ،
وفي " الموطأ " " فالصيام " بزيادة
الفاء وهي للسببية ، أي : سبب كونه
لي أنه يترك شهوته لأجلي . ووقع في
رواية مغيرة عن أبي الزناد عند سعيد
بن منصور : كل عمل ابن آدم له ، إلا
الصيام فإنه لي وأنا أجزي به ومثله
في رواية عطاء عن أبي صالح الآتية ،
وقد اختلف العلماء في المراد بقوله
تعالى : " الصيام لي ، وأنا أجزي به
" مع أن الأعمال كلها له ، وهو الذي
يجزي بها على أقوال : أحدها : أن
الصوم لا يقع فيه الرياء كما يقع في
غيره ،
حكاه المازري ونقله عياض عن أبي
عبيد ، ولفظ أبي عبيد في غريبه : قد
علمنا أن أعمال البر كلها لله وهو
الذي يجزي بها ، فنرى - والله أعلم -
أنه إنما خص الصيام ؛ لأنه ليس يظهر
من ابن آدم بفعله ، وإنما هو شيء في
القلب . ويؤيد هذا التأويل قوله ،
صلى الله عليه وسلم : " ليس في الصيام
رياء " حدثنيه شبابة عن عقيل ،
عن الزهري ، فذكره يعني : مرسلا ،
قال : وذلك لأن الأعمال لا تكون إلا
بالحركات ، إلا الصوم فإنما هو
بالنية التي تخفى عن الناس ، وهذا
وجه الحديث عندي .
قوله : ( والحسنة بعشر أمثالها )
كذا وقع مختصرا عند البخاري ، وقد
قدمت البيان بأنه وقع في " الموطأ "
تاما ، وقد رواه أبو نعيم في "
المستخرج " من
طريق القعنبي شيخ البخاري فيه ،
فقال بعد قوله : " وأنا أجزي به "
: كل حسنة يعملها ابن آدم بعشر
أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، إلا
الصيام فإنه لي وأنا أجزي به فأعاد
قوله : وأنا أجزي به في آخر الكلام
تأكيدا ، وفيه إشارة إلى الوجه
الثاني . ووقع في رواية أبي
صالح عن أبي هريرة في آخر هذا
الحديث : " للصائم فرحتان يفرحهما "
الحديث . وسيأتي الكلام عليه بعد ستة
أبواب ، إن شاء الله تعالى .
شرح الحديث :
الحديث يتحدث عن فضل الصيام وعظيم
منـزلته عند الله تعالى ويبين لنا
الرسول صلى الله عليه و سلم في هذا
الحديث القدسي ان الله ينهانا عن الرفث
وهو الكلام الفاحش وكذالك نهانا
الصائم ان يجهل و هو فعل شئ من
أفعال أهل الجهل كالصياح وبين لنا الله
تعالى على لسان نبيه عليه السلام
كيفية الرد على شخص قاتلك او شتمك و
انت صائم فيجب عليك تجنبه ماأمكنك
وقل : اللهم إني صائم وبين كذالك ان
رائحة فم الصائم اطيب من رائحة
المسك
فوائد الحديث :
-أن الصائمين يوفون أجورهم بغير
حساب ، فإن الأعمال كلها تضاعف بعشر
أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصيام
فإنه لا ينحصر تضعيفه في هذا العدد
بل يضاعفه الله عز وجل أضعافاً كثيرة .
فإن الصيام من الصبر ، وقد قال الله
تعالى : "إنما يوفى الصابرون أجرهم
بغير حساب " .
قال الأوزاعي : " ليس يوزن لهم ولا
يُكال ، إنما يغرف غرفاً " .
-أن الله تعالى أضاف الصوم إلى نفسه من
بين سائر الأعمال ، وكفى بهذه الإضافة
شرفاً ، وهذا والله أعلم لكونه يستوعب
النهار كله ، فيجد الصائم فقد شهوته
، وتتوق نفسه إليها وهذا لا يوجد
بهذه المدة في غير الصيام لا سيما في
نهار الصيف لطوله وشدة حره .
وترك الإنسان ما يشتهيه لله تعالى هو
عبادة مقصودة يثاب عليها ، ولأن
الصيام سر بين العبد وربه لا يطلع
عليه إلا الله تعالى ، فهو عمل باطن لا
يراه الخلق ولا يدخله رياء .
-أن الصائم إذا لقي ربه فرح بصومه ؛
وذلك لما يراه من جزائه وثوابه ،
وترتب الجزاء عليه بقبول صومه الذي
وفقه الله له
بعد المصادر :
ـ صحيح البخاري
ـ فتح الباري في شرح صحيح البخاري
ـ موقع اسلام سؤال و جواب

0 التعليقات: