السؤال: ما حكم من سب الدين في حالة غضب هل عليه كفارة؟ وما شرط التوبة من هذا العمل؟ وهل ينفسخ نكاح زوجته؟
الجواب:
الحكم فيمن سب الدين -الدين الإسلامي- أنه يكفر، فإن سب الدين والاستهزاء به ردة عن الإسلام، وكفر بالله عز وجل وبدينه، وقد حكى الله تعالى عن قوم استهزءوا بدين الإسلام، حكى الله عنهم أنهم كانوا يقولون: إنما كنا نخوض ونلعب، فبين الله عز وجل أن خوضهم هذا ولعبهم استهزاء بالله و آياته ورسوله وأنهم كفروا به، فقال تعالى: (ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله و ءاياته ورسوله كنتم تستهزءون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم) [التوبة ٦٥-٦٦] ، فالاستهزاء بدين الله أو سب دين الله، أو سب الله ورسوله والاستهزاء بهما كفر مخرج عن الملة، ومع ذلك فإن هناك مجالا للتوبة منه؛ لقوله تعالى:(قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم) [الزمر: ٥٣]. فإذا تاب الإنسان من أي ردة كانت توبة نصوحا استوفت شروط التوبة الخمسة فإنه الله تعالى يقبل توبته.
وشروط التوبة الخمسة هي:
_الشرط الأول:الأخلاص لله بتوبته، بأن لا يكون الحامل له على التوبة رياء أو سمعة أو خوفا من المخلوق، أو رجاء لأمر يناله من الدنيا، فإذا أخلص توبته لله وصار الحامل له عليها تقوى الله عز وجل والخوف من عقابه ورجاء ثوابه فقد أخلص لله تعالى فيها.
_ الشرط الثاني: أن يندم على ما فعل من الذنب، بحيث يجد في نفسه حسرة وحزنا على ما مضى، ويراه أمرا كبيرا يوجب عليه أن يتخلص منه.
_الشرط الثالث: أن يقلع عن الذنب وعن الإصرار عليه، فإن كان ذنبه ترك واجب قام بفعله وتداركه إن أمكن، وإن كان ذنبه بفعل محرم أقلع عنه وابتعد عنه، ومن ذلك إذا كان الذنب يتعلق بمخلوقين فإنه يؤدي إليهم حقوقهم أو يستحلهم منها.
_الشرط الرابع: العزم على أن لا يعود في المستقبل، بأن يكون في قلبه عزم مؤكد أن لا يعود إلى هذه المعصية التي تاب منها.
_الشرط الخامس: أن تكون التوبة في وقت القبول، فإن كانت بعد فوات وقت القبول لم تقبل، وفوات وقت القبول عام وخاص.
+أما العام: فإنه طلوع الشمس من مغربها، فالتوبة بعده أي بعد طلوع الشمس من مغربها لا تقبل؛ لقوله تعالى: (يوم يأتي بعض ءايات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن ءامنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا) [الأنعام:١٥٨].
+أما الخاص: فهو حضور الأجل، فإذا حضر الأجل فإن التوبة لا تنفع؛ لقول الله تعالى: (وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار) [النساء:١٨].
أقول: إن الإنسان إذا تاب من أي ذنب ولو كان ذلك سب الدين فإن توبته تقبل إذا استوفت الشروط التي ذكرناها، ولكن ليعلم أن الكلمة قد تكون كفراً وردة ولكن المتكلم بها قد لا يكفر بها لوجود مانع يمنع من الحكم بكفره، فهذا الرجل الذي ذكر عن نفسه أنه سب الدين في حال غضب، نقول له: إن كان غضبك شديداً بحيث لا تدري ماذا تقول ولا تدري حينئذ أأنت في سماء أم في أرض وتكلمت بكلام لا تستحضره ولا تعرفه فإن هذا الكلام لا حكم له ولا يحكم عليك بالردة، لأنه كلام حصل عن غير إرادة وقصد، وكل كلام حصل عن غير إرادة وقصد فإن الله سبحانه وتعالى لا يؤاخذ به، يقول الله تعالى في الأيمان: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم) [البقرة:٢٢٥]، ويقول تعالى في ءاية أخرى: (لا يواخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يواخذكم بما عقدتم الأيمان) [المائدة:٨٩]، فإذا كان هذا المتكلم بكلمة الكفر في غضب شديد لا يدري ما يقول: ولا يعلم ماذا خرج منه فإنه لا حكم لكلامه، ولا يحكم بردته حينئذ، وإذا لم يحكم بالردة فإن الزوجة لا ينفسخ نكاحها منه، بل هي باقية في عصمته، ولكن ينبغي للإنسان إذا أحس بالغضب أن يحرص على مداواة هذا الغضب بما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم حين سأله رجل فقال له: يا رسول الله أوصني قال: "لا تغضب" فردد مراراً، قال: "لا تغضب". [أخرجه البخاري٦١١٦].فليحكم الضبط على نفسه، وليستعذ بالله من الشيطان الرجيم، وإذا كان قائماً فليجلس، وإذا كان جالساً فليضطجع، وإذا اشتد به الغضب فليتوضأ، فإن هذه الأمور تذهب غضبه وما أكثر الذين ندموا ندماً عظيماً على تنفيذ ما اقتضاه غضبهم ولكن بعد فوات الأوان.
فتاوى نور على الدرب لابن عثيمين(٢٣/١٤)

0 التعليقات: